الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
  العبادةُ من لوازم ألوهية الإله:
أيها الإخوة الكرام؛ لازلنا في اسم الإله، والإله هو المعبود، ولا إله إلا الله أي لا معبود بحقّ إلا الله، أي أن الله وحده يستحق العبادة لأنه الخالق، لأنه الرب، لأنه المُسيّر.
في اللقاء السابق أيها الإخوة؛ عرفنا العبادة بأنها طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تُفضي إلى سعادة أبدية، وكان الحديث أيضاً عن العبادات الشعائرية، كالصلاة والصوم والحج والزكاة، وعن العبادات التعاملية، كالاستقامة والصدق والأمانة والعفة، وأكدت مع الأدلة القرآنية أن العبادات الشعائرية لا تُقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية، واليوم ننتقل إلى موضوع متعلق بالعبادة، لأن الإله هو المعبود، وعلة وجودنا على وجه الأرض أن نعبد الله:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾ 
ولكن المشكلة أن معظم المسلمين إذا ذكروا كلمة عبادة ينصرف ذهنهم إلى العبادات الشعائرية من صيام وصلاة وحج وزكاة، ولكن الحقيقة أن العبادة لها مفهوم واسع جداً، هي غاية الخضوع لله مع غاية الحب، ومنهج الله ولا أبالغ يقترب من مئة ألف بند في كل شؤون حياتك، بدءاً من فراش الزوجية إلى العلاقات الدولية.
 
 
لذلك هناك أنواع من العبادة، النوع الأول هو عبادة الهوية، أنت من؟ كل واحد منا له موقع في المجتمع، قد يكون غنياً، فالغني عبادته الأولى إنفاق المال، بل إن المال مادة امتحانه الأولى، فإما أن ينجح في إنفاق المال في الوجوه التي ترقى به في الآخرة، وإما أن يُنفق هذا المال على شهواته ونزواته، لذلك ورد في الأثر القدسي أن الله سبحانه وتعالى يسأل العبد يوم القيامة أن يا عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ في الآخرة لسان الحال لا لسان المقال، يقول: يا رب لم أُنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي، فالله عز وجل يقول: ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم، يسأل عبداً آخر: عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ يقول: يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين، لثقتي بأنك خير حافظاً وأنت أرحم الراحمين، فيقول الله له: عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك.
لذلك أحياناً يكون موقع الإنسان في الحياة أنه غني، والغني عبادته الأولى إنفاق المال، الآن سوف نسمّي هذه العبادة عبادة الهوية، أنت من؟ هناك إنسان آخر قوي يحتل منصباً رفيعاً، بجرّة قلمٍ يُحِقّ حقاً، ويُبطل باطلاً، بجرة قلم يُقِرّ معروفاً، ويُزيل منكراً، والإنسان كلما علا موقعه في مجتمعه اتّسعت رؤيته.
أذكر مرة أنني أتيت إلى دمشق بالطائرة من قبرص، وحينما دخلنا سواحل بلدنا الطيب رأيت بيروت وطرابلس معاً، أي ارتفاع أربعين ألف قدم يتيح لك أن ترى مئة كيلو متر معاً، علمتني هذه الرؤية درساً؛ أنه كلما ارتفع مقام الإنسان تتسع رؤيته، وكلما ارتفع مقام الإنسان تزداد مسؤوليته، معلم بصف مسؤول عن ثلاثين طالباً، لكن مدير المدرسة مسؤول عن ثلاثمئة وستين طالباً، لكن مدير التربية مسؤول عن محافظة، إلا أن وزير التربية مسؤول عن المناهج بالبلاد كلها، فكلما ارتفع مقام الإنسان ازدادت مسؤوليته، وهذا ما دعا سيدنا عمر بن الخطاب أن يقول: لست خيراً من أحدكم، ولكنني أثقلكم حِملاً.
والمسؤول الكبير حينما يدقق في معنى كلمة مسؤول كبير يجب أن ترتعد فرائصه، لأنه سيُسأل عن كل شيء، سيدنا عمر أدرك هذه المسؤولية، قال: والله لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها.
دخلت فاطمة بنت عبد الملك على سيدنا عمر بن عبد العزيز رأته يبكي في مصلاه، قالت له: مالك تبكي؟ قال: دعيني وشأني، فلما ألحّت عليه قال: ويحك يا فاطمة، إني وليتُ أمر هذه الأمة، فرأيت المريض الضائع، والفقير الجائع، والشيخ الكبير، والأرملة الوحيدة، وذا العيال الكثير، والرزق القليل، والمريض، والمأسور، والمظلوم، والمقهور، وابن السبيل، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً، وأن خصمي دونهم رسول الله، فخفت ألا تثبت حجتي، فلهذا أبكي.
لذلك أيها الإخوة؛ القوي عبادته الأولى إحقاق الحق وإبطال الباطل، ردّ المظالم لأصحابها، هذه عبادته الأولى، نتحدث الآن عن عبادة الهوية، أنت من؟ أنت غني، العبادة الأولى إنفاق المال، أنت قوي العبادة الأولى إحقاق الحق، أنت عالم، العبادة الأولى التبيين والتوضيح، وألا تأخذك في الله لومة لائم، سئِل الإمام الحسن البصري: بمَ نلت هذا المقام؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي. 
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ  وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)﴾ 
فلو أن هذا الإنسان الذي تصدى للدعوة خشي غير الله ما النتائج؟ يسكت عن الحق خوفاً منه، وينطق بالباطل إرضاءً له، انتهت دعوته، انتهت دعوته كلياً، لذلك قالوا: كلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تُقرّب أجلاً، ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾ ، هذه عبادة العلماء، التبيين، التوضيح.
أنت امرأة، هويتك امرأة، عبادتك الأولى رعاية الزوج والأولاد، وقد ورد: اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حُسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله، والجهاد كما تعلمون ذروة سنام الإسلام، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام حينما فتح مكة دعته بيوتاتها أن يبيت عندهم، فقال: انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة، وركز لواء النصر أمام قبرها، ليُعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر شريكته في النصر، أنت غني، أو قوي، أو عالم، أو أنت امرأة، لذلك العبادة الأولى متعلقة بهوية الإنسان، هذا معنى آخر من معاني العبادة.  
أحياناً هناك ما يُسمَّى بعبادة الظرف، عندك أب مريض، العبادة الأولى رعاية المريض، عندك ضيف، العبادة الأولى إكرام الضيف، عندك ابن عنده امتحان، العبادة الأولى أن تهيئ له الجو المناسب للامتحان، هذه عبادة الظرف. 
الآن عبادة الوقت، إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، تروي بعض السير أن عامل سيدنا عمر على أذربيجان أرسل له رسولاً، هذا الرسول وصل إلى المدينة في منتصف الليل، فكَرِه أن يطرق باب أمير المؤمنين، فدخل إلى المسجد، ما كان فيه إضاءة، سمع رجلاً يبكي ويناجي ربه يقول: يا رب، هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي أم رددتها فأعزيها؟ سأله: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا عمر، قال: أنت أمير المؤمنين؟! يا أمير المؤمنين ألا تنام الليل؟ فقال عمر: إني إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي، لذلك
((  ورد في بعض الآثار أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً شاباً يتعبد الله في وقت العمل، قال له: مَن يطعمك؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك، وقت العمل عمل، وقت الفجر عبادة، تلاوة قرآن، قيام ليل، صلاة فجر في المسجد: عن سمرة بن جندب: مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ عز وجل.  )) 
لذلك أيها الإخوة؛ هناك عبادة للوقت، أي بعد أذان الفجر ليس هذا الوقت مناسباً للحسابات، هذا وقت مناسب للعبادات، في يوم العطلة يوم الجمعة ليس الوقت مناسباً لتنظيف البيت، هذا يوم عطلة، يجب أن يُنَظّف البيت يوم الخميس، والجمعة يجلس الأب مع أولاده وزوجته، هنا ما يُسمّى بعبادة الوقت. 
أحياناً العصر بمجمله له عبادة، إن أراد الطرف الآخر إفقار المسلمين العبادة الأولى استصلاح الأراضي، إنشاء السدود، استخراج الثروات، تطوير الصناعات من أجل أن نأتي بمال نحلّ به مشكلات المسلمين، هذه عبادة أولى، وإذا أراد الطرف الآخر إضلالنا توضيح معالم الدين، ترسيخ القيم الأخلاقية، ردّ الشبهات، تأليف الكتب والأبحاث هذه عبادة أيضاً، وإذا أراد الطرف الآخر إفسادنا تأسيس المناشط الإسلامية، صيانة أولادنا وشبابنا وشاباتنا من الفساد الأخلاقي، هذه عبادة أيضاً، وحينما يريد الطرف الآخر إذلالنا يجب أن نضحي بالغالي والرخيص، والنفس والنفيس، هذه عبادة تُسمّى عبادة العصر، كل عصر له سمة.
 
مثلاً في عصر المبادئ، البشرية تمر بعصور ثلاث، عصر المبادئ، أنا أوضح هذا العصر بهذه القصة؛ مَلِك من ملوك الغساسنة أتى إلى المدينة مسلماً في عهد عمر، سيدنا عمر رحب به، وفرح بإسلامه، وفي أثناء طوافه حول الكعبة داس بدويٌّ من فزارة طرف ردائه، فانخلع رداؤه من كتفه، فالتفت نحو هذا البدوي وضربه ضربة هشمت أنفه، هذا البدوي لمن يشتكي؟ لعمر، فاشتكى إلى عمر، فاستدعى عمر جَبَلة، دار حوار بينهما شاعر معاصر صاغه شعراً، يقول عمر لجبلة: أصحيح ما ادّعى هذا الفزاري الجريح؟ فقال جبلة: لست ممن ينكر شياً، أي شيئاً مراعاة للوزن، أنا أدّبت الفتى، أدركت حقي بيديّ، قال عمر: أرضِ الفتى لابد من إرضائه مازال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك-يخاطب ملِكًا-وتنال ما فعلته كفك، قال: كيف ذاك يا أمير؟ هو سوقة وأنا عرش وتاج؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟ قال له عمر: نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً، قال جَبَلة: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز أنا مرتد إذا أكرهتني؟ قال عمر: عالم نبنيه، كل صدع فيه يُداوى وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
هذا عصر مبادئ، هذا أرقى عصر، المبدأ فوق كل شيء، المبدأ فوق الجميع، هذا هو العصر الذهبي الإسلامي، لو تعثّرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها.
في عصر المبادئ مرّ سيدنا عمر في بعض طرق المدينة فرأى بعض الغلمان، لما رأوه تفرقوا من هيبته، إلا واحداً وقف بأدب جم، لفت نظره، قال له: يا غلام لمَ لم تهرب مع من هرب؟ قال له: أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مُذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك، هذا عصر المبادئ.
بعصر الأشخاص قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ  وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)﴾ 
قد تمر البشرية بعصر أشخاص، طغاة كبار، وأحياناً تنتهي البشرية إلى عصر الأشياء، قيمة المرء مساحة بيته، قيمة المرء موقع بيته، قيمة المرء نوع مركبته، وهناك نوع له أرقام كثيرة، هناك نوع مكتوب ستمئة، أو خمسمئة وخمسون، هذا أعلى شيء، تستمد قيمتك من متاعك فقط، نحن في عصر الأشياء، الأشياء تُعبَد من دون الله، هناك عصر مبادئ، هناك عصر أشخاص، هناك عصر أشياء، من أرقى العصور عصر المبادئ، ومن أسوئها عصر الأشياء، الإنسان سلعة، يسمع الإنسان باليوم أربعمئة، خمسمئة ماتوا، خبر طبيعي جداً.
أيها الإخوة؛ إذاً هناك عبادة شعائرية، كالصوم والصلاة والحج والزكاة، هناك عبادة تعاملية كالصدق والأمانة والعفة، هناك عبادة الهوية، الغني له عبادة، والقوي له عبادة، والعالِم له عبادة، والمرأة لها عبادة، وهناك عبادة الظرف، هناك عبادة الوقت، هناك عبادة العصر، وهناك عصر المبادئ وعصر الأشخاص وعصر الأشياء.
 
الآن الدعاء بهذا الاسم.
إخواننا الكرام؛ نبي كريم وجد نفسه فجأة في بطن حوت، والإنسان يمكن أن يقف في فم الحوت، وجبته المعتدلة أربعة أطنان، الإنسان لقمة واحدة، الوجبة المعتدلة بين الوجبتين أربعة أطنان، فهو وزنه خمسون كيلو، لقمة واحدة، وهو في بطن الحوت:
﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ  إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)﴾ 
بماذا دعا؟ ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾  أول الآية: 
﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ  وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾ 
أيها الإخوة؛ والله الذي لا إله إلا هو هذه الآية وحدها لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت، قلبها إلى قانون، قال: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾  في أي عصر، في أي مِصر، في أي زمان، في أي مكان، في أي ظرف: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾  والله عز وجل أعطاك حالة نادرة، بل مستحيلة، إنسان يجد نفسه فجأة في بطن حوت في ظلمة الليل، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة بطن الحوت، وينادي ربه في هذا المكان، يبدو كان هناك تغطية أيضاً، نعمة، يوجد تغطية، ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ .
الآن أصغوا معي إلى الحديث الشريف: عن سعد بن أبي وقاص: دعوةُ ذي النُّونِ؛ إذ دعا ربَّه وهو في بَطنِ الحوتِ: لا إلهَ إلَّا أنتَ سُبْحانَكَ إنِّي كنتُ مِن الظالمينَ، لم يَدْعُ بها رجُلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجابَ له.
 ابن حجر العسقلاني: الفتوحات الربانية: حسن
تعلموا هذا الدعاء: ((لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ)) .
 
الله قويٌّ جبّار حليم لطيف:
(( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.  )) 
وما أكثر الكربات التي أصابت المسلمين.
أحياناً يتسلم وزارةً إنسان جديد، الموظفون يسألون: كيف هو؟ أخلاقي؟ نظيف؟ مادام الأمر بيد واحد يهمنا الآن أخلاق الواحد، دقق في هذا الكلام: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ))  معنى ذلك الأمر بيد الله وحده والله عز وجل صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، الله عز وجل كامل كمالاً مطلقاً، لذلك لا يجتمع حزن مع إيمان بالله، الأمر بيده وحده، أحياناً تجد إنساناً صالحاً جداً، لكن ليس بيده شيء، تقول: مسكين ما بيده شيء، وتجد إنساناً لئيماً جداً، لكن بيده كل شيء، أي معه سلطة قوية، دائماً يوجد مفارقة، إما أن ترى إنساناً قوياً لا أخلاقياً، أو أخلاقياً ضعيفاً، كلاهما لا يُرضيك، أنت بحاجة إلى إنسان بقدرِ ما هو قوي، منضبط، أخلاقي، رحيم، هذا شخصية فذة ونادرة الآن، إما أن ترى إنساناً صالحاً ضعيفاً، أو إنساناً قوياً غير صالح، لكن أن ترى إنساناً بقدر ما هو صالح، بقدر ما هو قوي، هذه نعمة من نِعم الله العظمى، لذلك-ولله المثل الأعلى-الله عز وجل بيده كل شيء، هو القوي، هو المتصرف، هو المعطي، هو المانع، هو المُعز، هو المُذل، هو العدل، وفي الوقت نفسه هو الرحيم، هو اللطيف، هو الكريم، لذلك حينما تقول:
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)﴾ 
بقدر ما تُعظّمه تحبه، بحياتنا أشخاص كثر قد تحترمهم ولا تحبهم، إنسان بسيط طيب جداً، لكنه لا يفهم شيئًا، ترى شخصيات لا تعجبك، مَن الذي يلفت نظرك في مجتمع البشر؟ إنسان متفوق جداً في اختصاصه، وأخلاقي جداً، أنا أُقرِّب الأمور، هذا معنى قول الله عز وجل:
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)﴾ 
بقدر ما هو عظيم قوي بقدر ما هو رحيم.
 
الدعاء بأسماء الله الحسنى أمر إلهي:
لذلك:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا  وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾ 
الدعاء بأسماء الله الحسنى أمر إلهي، وذكرت كثيراً أن الدعاء بالأسماء الحسنى له معنيان؛ أن تتخلّق بخُلق مشتق من كمال الله تتقرب به إلى الله، إذا كان الله رحيماً كن رحيماً تُقبِل عليه، أو أن تذكر أسماءه الحسنى حتى تسأله.
الملف مدقق